سورة القمر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{مُهْطِعِينَ} مسرعين مقبلين {إِلَى الدَّاعِي} إلى صوت إسرافيل {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} يوم صعب شديد.
قوله عز وجل: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} أي: قبل أهل مكة {قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} نوحًاُ {وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} أي: زجروه عن دعوته ومقالته بالشتم والوعيد، وقالوا: {لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} [الشعراء- 116] وقال مجاهد: معنى: ازدجر أي: استطير جنونًا.
{فَدَعَا} نوح {رَبَّه} وقال: {أَنِّي مَغْلُوبٌ} مقهور {فَانْتَصِرْ} فانتقم لي منهم.
{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} مُنْصَبّ انصبابًا شديدًا، لم ينقطع أربعين يومًا، وقال يمان: قد طبق ما بين السماء والأرض.
{وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ} يعني ماء السماء وماء الأرض، وإنما قال: {فالتقى الماء} والالتقاء لا يكون من واحد، إنما يكون بين اثنين فصاعدًا؛ لأن الماء يكون جمعًا وواحدًا. وقرأ عاصم الجحدري: فالتقى الماآن. {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي: قضى عليهم في أم الكتاب. وقال مقاتل: قدر الله أن يكون الماآن سواء فكانا على ما قدر.
{وَحَمَلْنَاهُ} يعني: نوحًا {عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} أي سفينة ذات ألواح، ذكر النعت وترك الاسم، أراد بالألواح خشب السفينة العريضة {وَدُسُرٍ} أي: المسامير التي تشد بها الألواح، واحدها دِسَارٌ ودسيرٌ، يقال: دسرت السفينة إذا شددتها بالمسامير. وقال الحسن: الدُّسر صدر السفينة سميت بذلك لأنها تدسر الماء بجؤجؤها، أي تدفع. وقال مجاهد: هي عوارض السفينة. وقيل: أضلاعها. وقال الضحاك: الألواح جانباها، والدسر أصلها وطرفاها.


{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي: بمرأى منا. وقال مقاتل بن حيان: بحفظنا، ومنه قولهم للمودَّع: عين الله عليك. وقال سفيان: بأمرنا {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} قال مقاتل بن حيان: يعني: فعلنا به وبهم من إنجاء نوح وإغراق قومه ثوابًا لمن كان كفر به وجحد أمره، وهو نوح عليه السلام، وقيل: {مَنْ} بمعنى ما أي: جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمه عند الذين أغرقهم، أو جزاء لما صنع بنوح وأصحابه. وقرأ مجاهد: {جزاء لمن كان كَفَرَ} بفتح الكاف والفاء، يعني كان الغرق جزاءً لمن كان كفر بالله وكذب رسوله.
{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا} يعني: الفعلة التي فعلنا {آيَةً} يُعْتَبَر بها. وقيل: أراد السفينة. قال قتادة: أبقاها الله بباقر دي من أرض الجزيرة. عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: متذكر متعظ معتبر خائف مثل عقوبتهم.
أخبرنا عبدالواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو نعيم، حدثنا زهير عن أبي إسحاق أنه سمع رجلا سأل الأسود عن قوله: {فهل من مدكر} أو مذكر؟ قال: سمعت عبدالله يقرؤها {فهل من مدكر}، وقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها: {فهل من مدكر} دالا.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} أي: إنذاري. قال الفراء: الإنذار والنذر مصدران، تقول العرب: أنذرت إنذارًا ونذرًا، كقولهم أنفقت إنفاقًا ونفقةً، وأيقنت إيقانًا ويقينًا، أقيم الاسم مقام المصدر.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا} سهلنا {الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} ليتذكر ويعتبر به، وقال سعيد بن جبير: يسرناه للحفظ والقراءة، وليس شيء من كتب الله يقرأ كله ظاهرًا إلا القرآن {فهل من مدكر}، متعظ بمواعظه.


{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} شديدة الهبوب {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} شديد دائم الشؤم، استمر عليهم بنحو سنة فلم يُبْقِ منهم أحدًا إلا أهلكه. قيل: كان ذلك يوم الأربعاء في آخر الشهر.
{تَنزعُ النَّاسَ} تقلعهم ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدق رقابهم. وروي أنها كانت تنزع الناس من قبورهم {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} قال ابن عباس: أصولها، وقال الضحاك: أوراك نخل. {منقعر} منقطع من مكانه ساقط على الأرض. وواحد الأعجاز عجز، مثل عضد وأعضاد وإنما قال: {أعجاز نخل} وهي أصولها التي قطعت فروعها؛ لأن الريح كانت تبين رؤوسهم من أجسادهم، فتبقى أجسادهم بلا رؤوس.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} بالإنذار الذي جاءهم به صالح.
{فَقَالُوا أَبَشَرًا} آدميًا {مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} ونحن جماعة كثيرة وهو واحد {إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ} خطأ وذهاب عن الصواب {وَسُعُر} قال ابن عباس: عذاب. وقال الحسن: شدة عذاب. وقال قتادة: عناء، يقولون: إنا إذًا لفي عناء وعذاب مما يلزمنا من طاعته. قال سفيان ابن عيينة: هو جمع سعير. وقال الفراء: جنون، يقال ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هائمة على وجهها. وقال وهب: وسُعُر: أي: بعد عن الحق.
{أأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْه} أأنزل الذكر الوحي {مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} بطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بادعائه النبوة، والأشر: المرح والتجبُّر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5